تتصاعد الفظائع في السودان بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في الغرب، وسط تقارير عن مجازر وعمليات نهب واغتصاب واسعة. يؤكد الكاتب ويلو باردج أن الأمم المتحدة ومعظم الحكومات الغربية والمحكمة الجنائية الدولية تعتبر هذه التقارير موثوقة وتشير إلى ارتكاب جرائم حرب محتملة ضد المدنيين. يقود محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، قوات الدعم السريع منذ انفصالها عن الجيش في حرب اندلعت في أبريل 2023، متعهداً بمحاسبة الجناة من أتباعه، بينما تتوسع الانتهاكات في كل منطقة تقع تحت سيطرته، ما يجعل المشهد الإنساني كارثياً ويقود البلاد إلى حافة الانهيار الكامل.
 

جذور العنف في تاريخ الدولة السودانية
يعود أصل الدعم السريع إلى بنية عنف رسّختها الدولة السودانية لعقود، لا إلى خلافات عرقية عابرة، وفق تحليل موقع ذا كونفرزيشن. أنشأ نظام الرئيس السابق عمر البشير هذه القوة استناداً إلى ميليشيا الجنجويد التي اعتمد عليها لقمع تمرد دارفور مطلع الألفية. استغل النظام الانقسامات بين القبائل العربية وغير العربية لتثبيت سلطته، فغذّى سردية خارجية اختزلت الحرب في صراع «عرب ضد أفارقة»، رغم أن جذور الأزمة أعمق، إذ ترتبط بهيكل حكم مركزي احتكر السلطة والثروة في الخرطوم منذ الاستقلال عام 1956.

اعتمدت الدولة على شراء الولاءات القبلية والعسكرية عبر توزيع السلاح والموارد، ما رسّخ ثقافة القوة على حساب القانون. ازدهرت قوات الدعم السريع ضمن هذا المناخ، مستندة إلى اقتصاد غير رسمي يقوم على تجارة الذهب والمواشي والمرتزقة، فصارت كياناً عسكرياً موازياً للجيش. كما غذّت التدخلات الخارجية الصراع؛ إذ تنافست قوى إقليمية مثل الإمارات والسعودية ومصر وتشاد وليبيا على النفوذ داخل السودان، مستخدمة الفصائل المسلحة كأدوات سياسية واقتصادية، الأمر الذي زاد من تفكك الدولة.
 

صعود حميدتي وانهيار التوازن العسكري
صعد حميدتي من صفوف الجنجويد إلى قمة هرم السلطة العسكرية بعد أن رسّخه البشير عام 2013 قائداً لقوات الدعم السريع لموازنة نفوذ الأجهزة الأمنية الأخرى. كرّس الصراع بين هذه الأجهزة أجواء الرعب داخل النظام، حتى أطاحت الانتفاضة الشعبية بالبشير في 2019. حينها، برز التنافس بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحميدتي، اللذين شكّلا معاً مجلساً انتقالياً سرعان ما تفكك مع تضارب الطموحات بين الطرفين.

يعتمد البرهان على النخبة النيلية التي حكمت السودان منذ الاستقلال، بينما يستند حميدتي إلى عرب دارفور الذين يشعرون بالتهميش التاريخي. يوظف كلاهما الخطاب العرقي حين تقتضي المصلحة السياسية، مما يفاقم الانقسام المجتمعي ويشعل موجات جديدة من العنف ضد المدنيين.
 

ما وراء الصراع العرقي
لا يمكن اختزال الصراع السوداني في مواجهة بين عرب وأفارقة، بل هو نتاج منظومة سياسية ترى في السلاح وسيلة للحكم. تتنافس القوات المسلحة والدعم السريع على دولة فقدت شرعيتها، وسط انهيار اقتصادي وغياب مؤسسات قادرة على ضبط الأمن أو تمثيل الشعب. يتحدث محللون عن محاولة حميدتي توظيف رموز المقاومة التاريخية ليقدّم نفسه وريثاً للثورة المهدية، مستغلاً مشاعر الغضب تجاه المركز النيلي، بينما يخفي هذا الخطاب مشروعاً سلطوياً يهدف للسيطرة المطلقة.

يعكس ما يجري فشل الطبقة الحاكمة في بناء دولة عادلة توزّع السلطة والثروة بإنصاف، وتضمن مشاركة جميع الأقاليم في القرار السياسي. من دون إصلاح جذري يُعيد تعريف الدولة على أسس مدنية ديمقراطية، سيبقى السودان رهينة دوامة الدم التي حولت العنف إلى لغة الحكم، وحولت المواطنين إلى ضحايا في صراع لا يبحث عن وطن بل عن غنيمة.

https://theconversation.com/why-has-sudan-descended-into-mass-slaughter-the-answer-goes-far-beyond-simple-ethnic-conflict-269293